الروائي الوصالي : الحوار من أهم أوجه التمسرح في القصة القصيرة

صحيفة عسير _ يحيى مشافي

أشار الروائي والقاص عبد الله الوصالي في بداية الأمسية الثقافية التي أقامها نادي الباحة الأدبي وأدارها الأستاذ هاشم الغامدي إلى أن من طبيعة الفنون والآداب الإنسانية التقاطع والتناص في عالمها الافتراضي وتداخل علاقاتها. مشيرا أن القصة القصيرة والمسرح يملكان ملامح مشتركة. وأن ذلك كان من قبل استعارة القصة القصيرة لعناصر في المسرح من أجل توصيل رسالتها الإنسانية بشكل أكثر سلاسة وجودة. مشيرا إلى أن المحاضرة تهدف إلى الإجابة على أسئلة من قبيل ما هو الذي في القصة يجب مقارنته مع المسرح؟ ومتى تحاكي القصة المسرح وما هي الأدوات؟ وما هو أثر المزج بين السرد والأوضاع الدرامية؟ لماذا تتوسل القصة القصيرة التمسرح؟
وفي إيراده للتقنيات المشتركة بين المجالين، عرض الوصالي شرائح الكترونية للتفريق بين النص المسرحي والقصة القصيرة ثم شريحة أخرى تبين الفرق بين القصة والأداء المسرحي مؤكدا إن رسم المشهد(المشهدية) في القصة والحوار هما من أهم المشتركات بين المسرح والقصة ذلك عندما يحل البعد الدرامي المشهدي في تلك القصص محل البعد السردي الإخباري، أي توفر شحنات درامية عالية في وصف احداث المشهد القصصي، فيبدو وكأنه حينها “يتطلع إلى حالة” مسرحية، وبالتالي يتم استحضار الأثر المسرحي لدى القارئ. عندما تمزج القصة القصيرة بين موارد الخيال السردي وموارد الدراما، فإنها تصبح نوعًا هجينًا متعدد الاستخدامات، هذا ما يدعو إلى دراسة طبيعة وأنواع التمسرح المتجسدة في القصة القصيرة وفحص طاقتها الجمالية
وبين الوصالي أن أصل الاختلاف بين القصة والنص المسرحي أن هذا الأخير لا يكتب كي يقرأها الناس كما يقرأون الروايات والمقالات وإنما تكتب طبقا لأصول وقواعد خاصة به كي يتسنى للمسرحيين عرضها بوسائلهم الخاصة أمام جمهور من المتفرجين. فمهما احتشد النص المسرحي بعناصر الإيضاح، ما زال في حاجة إلى عناصر التجسيد التي تجعل منه كائنا حيا له خصائص مسموعة ومرئية وجو انفعالي عام تشترك في صنعه جمهور المشاهدين. يضاف إلى ذلك أن للأداء قيمته الجمالية الخاصة.
فالنص المسرحي والقصة القصيرة كلاهما نصا،. لكن الفارق الأساسي يكمن في شمولية الشكل الدرامي للنص المسرحي، في حين أن القصة القصيرة هي نوع سردي يسمح فقط بمقاطع درامية داخله ويتم تقليل الشكل الدرامي فيها إلى الحد الأدنى.
أما في الفرق بين القصة والأداء المسرحي فالاختلاف أكبر فالمسرح يتضمن وضع الأداء الدرامي اتصالًا حسيًا مباشرًا بين المؤدين والجمهور. يستلزم المشهد وجود ممثلين ينتحلون شخصيات درامية. ويشمل الأداء الدرامي الحاستين البصرية والسمعية. كما تساهم إيماءات الممثلين وحركاتهم ونغمات الأصوات والإضاءة والإعداد وغيرها من مؤثرات حية آنية في إنتاج تأثيرات عميقة ومعقدة في الجمهور المشاهد. لا يمكن تحقيق ذلك في قراءة القصة على الأقل لافتقارها لتلك الوسائل. هذه حالة مختلفة تمامًا عن تجربة القصة القصيرة في التواصل حيث وسيلتها الوحيدة هي القراءة، المستندة إلى خيال القارئ. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدراما الحية هي في الأساس نشاط جماعي ينطوي على التفاعل الثقافي والاجتماعي لمجموعة من الجهات الفاعلة مع جمهور مشاهد. كما أن تأويل النص أمر محوري في الاختلاف؛ ففي المسرح مجموعة من الممثلين والعناصر الأخرى تفسر بالأداء وبالحركة نص المسرحية لصالح الجمهور في حين تتيح طبيعة القراءة الفردية وامتدادها ميزة التأمل وبالتالي وفرة التأويل السردي القصصي المتعدد.
وذكر الوصالي أن الحوار من أهم أوجه التمسرح في القصة القصيرة رغم اختلاف وظيفته في القصة عنه في المسرح فالحوار يكتب في النص المسرحي كي تقوم شخصيات العمل بتزويد الجمهور بالمعلومات اللازمة لفهم المشهد ولتوصيل مناخ الحدث ونقل المعلومات، والممثلون على الخشبة لا ينطقون الحوار أو الأحاديث نطقا سرديا وإنما يجسدونه ويلونونه بنبراتهم من أجل إيصال مضمون النص. بينما الحوار في القصة: مكثف، ردود أفعال، معزز للمشهد.
واستشهد الوصالي في ورقته بأعمال قصصية محلية وعالمية منها قصة (الصورة) لحسن حجاب الحازمي عن طقس الختان الشهير في تهامة بالمنطقة الجنوبية قديما. وقصة عمرو العامري دعشوش، و قصة لكاثرين مانسفيلد ، و دروثي باركر، جريس كارول عبر مقتطفات ترى كيف تتجسد الحالة الدرامية في داخل القصة القصيرة.
و في تناوله لتقنية الاخبار Telling بين الوصالي أن هناك منظورات سردية يتشابه (رواة) فيها المسرح والقصة القصيرة هي المنولوج الداخلي . حيث أورد قول الناقد مارتن إسلن الذي أعتبر أن هذه التقنية هي التقنية الوحيدة التي تحقق ولو ظاهريا مزامنة زمن الاخبار السردي مع الحدث الدارمي ذو صيغة (الحاضر الأبدية). مبينا أن القصة القصيرة استعارت هذه التقنية المسرحية في محاولة من القاص لاستبطان شخصياته وتحقيق موضوعية العملية السردية بالاستغناء عن حضور الراوي الخارجي، والايهام بدفق المادة الذهنية من ذهن الشخصية الصامتة مباشرة وفورا مما يجعل العملية الاستبطانية أكثر إقناعا للقارئ. مستشهدا بقول الدكتورة أحلام حادي.
لكن في نهاية الامسية أشار الوصالي أن هناك مقاومة القصة القصيرة للتمسرح التام من أجل الحفاظ على هويتها الجنسانية إذا كانت القصة القصيرة تبدو في بعض الأحيان “طامحة إلى خشبة المسرح،” فهي في بعض خصائصها تبدو وكأنها تقاوم هذا الطموح والحد منه. ومن شواهد المقومة؛ قصر القصة القصيرة النسبي، ولغتها المجازية المكثفة، ووحدة الانطباع المفردة.
وختم الامسية مبينا أن قوة وجمال القصة القصيرة ذات السمات الدرامية لا تقتصر على قدرتها على تقليد الدراما فقط، مما قد يعتقد البعض معه أنها ذات طبيعة فرعية أو ثانوية وأن الحالة الأساسية المثالية لها هي المسرح، بل هي تمثل تجربة مجزية للغاية لأنها تدعو القارئ لاستكشاف الحدود بين الخيال القصصي القصير والدراما.
إن مزج الوسائل الدرامية من خلال المسرحة والتقنية التقليدية للقص من خلال التركيز الداخلي يزيد من قوة النص القصصي. من هنا تستمد القصة القصيرة ذات الطبيعة المختلطة براعتها وتؤكد هويتها. لا يمكن اعتبار القصة القصيرة نوعًا أدبيا هامشيا. انها نوع بارع في جمالياته. فهي تشكل تحديا صعبا وجديا لدى القاصين الأصلاء.
وقد شهد الأمسية العديد من المدخلات القيمة

شاهد أيضاً

الكاتبة ” سرَّاء آل رويجح ” في حوار خاص لـ” عسير ” : الجمر أيقونة ألم … والرقص أيقونة نجاح

صحيفة عسير – لقاء خاص : تمتلك الكاتبة سرَّاء عبدالوهاب فايز آل رويجح ، قدرات …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com