بقلم : إبراهيم العسكري
في احد قروبات الوتساب ارسل احد اصدقائي العبارة التالية :
انا أمس نمت في بيتي في ابها والله برد ..
نسأل الله اللطف والرحمة بمن كانت الحياة قاسية في وجوههم ..
صديقي المرسل نزل فترة البرد لمدينة محايل ثم صعد لابها فعبر برسالته عن شدة البرد داعيآ لمن قست بحقهم الحياة
قارنت رسالته بايام قريتي حينما كنت طفل قبل نصف قرن فتحل بها مواسم البرد ولم يكن لاهلها بد من المقاومة من اجل البقاء .
كانت طبيعة الحياة بقريتي تتعامل وفق المعطيات المتاحة لها في حينها ولن استعرض حياة امم سبقت ويكفينا فيها وصف كتاب الله سبحانه وتعالى والسير المؤكدة لذلك.!
لعلي هنا أصف بعضآ من أفضال الحقبة التي تشرفت بالتعايش معهم ولحقتهم على الأقل بعقدين من الزمن أو تزيد لاهل الزمن الجميل قبل رحيلهم رحمهم الله.
ثقافة قريتنا تغذيناها من الآباء والأجداد وهم كذلك فغرست بأنفسنا وجوب التعايش مع كل الطقوس الحارة والباردة حتى تمر وتنجلي ثم تعود ونحن معتادين المقاومة بالتحدي والضد فاصبح الطقس البارد مصدر طاقة لانا نعمل بجهد فنستمد منه طاقة مقاومة وهكذا ..!
كبير السن في قريتنا يتمتع بمكانة وشأن عظيمين بحكم الأسبقبة والتجربة في شؤون الحياة حتى أصبح موجهآ ومقدمآ في الكلام وحينما نتناول الغذاء أو نمشي سويآ يكون في المقدمه احترامآ ووقارآ وهيبة..!
عندما يقدم احدهم على فعل ما فانه لا يهمل استشارة الكبير في قريتنا.!
بقريتي رجال ونساء عظماء بالفعل يتحملون كل التغيرات والطقوس ببردها وحرها فهم كرماء مواجهين للحياة بكل تشعباتها وقسوتها.!
نراهم في الغالب مبتسمين وهذه صفه انتزعوها من تضاريس بيئتنا فالحياة حق مكتسب منحهم ربنا جل وعلا شانه.
واجهوا الحياة بالتحدي لصعابها فبنوا عمارتها واسترزقوا من فضل الله في ارضها بالزراعة والرعي والحِرف وغيرها من المتاح المباح .!
لا تخلوا مجالس اهل قريتي من الطاعة وحسن العبادة الي جانب المرح البريء ولهم اهازيج مميزة تعينهم في حقولهم واثناء الرعي لمواشيهم وفي سمراتهم ووقت اعيادهم فقد علموا بأن الحياة لا تستحق الا العيش بسعادة وفق المتاح فأشواكها ومفترقاتها يجب ان لا تفسد سعادتهم أبدآ.!
انهم يؤدون ما أمر الله به من عبادات فنراهم تحلوا بالصدق والأخلاق العظيمة ولم ينسوا حقوق الجار أو يتناسوا حقوق الضيف وذو الحاجة.!
حينما نراهم يعملون في الزراعة فنقول لقد خلقوا لها فما أعرفهم بتفاصيلها وتوقيت الغرس والحصاد بدقة .!
يرعون مواشيهم بلا كلل ولا ملل فأنسوا بها وانِسَتهم حتى أصبحت جزءا منهم ومصدر رزق لقوتهم .!
اهل قريتي ينامون مبكرآ فيصحون قبيل الفجر يصلون ويعود الكل لتناول ما تيسر من القوت ثم يقوم موزع الأدوار بتكليف كل فرد من الأسرة بمهامه بدءآ بالكبير ثم الذي يليه وكذا توزع مهام النساء والأطفال بصفة عادلة لليوم كاملآ بما يناسب القدرات لكل فرد من الاسرة.!
بكل فخر تربينا في كنفهم واكتسبنا بعض مهاراتهم فنلنا منهم حب العطاء والوفاء والصدق والصبر وتجرعنا صعوبات ومفاجآت الحياة برضى وقناعة فادركنا ان كل شيء يجري بأمر الله ضمن مقتضيات الحياة.!
بنوا أنفسهم ومجدهم وبيوتهم بمجهوداتهم الذاتيه وتساعدوا في كل ما يلزم كأسرة واحدة في قرية واحدة بجهود وتعاون الجميع فيها.
يأتي شهر رمضان ثم الأعياد فتفرح قريتي ونفرح بها ونسعد من سعدها وننفض غبار الهم وما لدينا من فرش وبطانيات بمساعدة جميع القريه ونزين البيوت بالقصة البيضاء (الطلاء الجديد) وتخضرها النسوة باللون الأخضر ذي الرائحة النفاذة من نبت البرسيم.!
عندما يأتي أحدهم المرض نزور ونواسي ونأتلف في السراء والضراء.!
أهل قريتي الصغيره عظماء ومثلهم القرى المجاورة يحملون طيبة بالفطرة وبما تربوا عليه من ثقافات بأن كل منهم مكمل للآخر وعوينآ له في كل شيء .
اهل قريتي لديهم علم بمبادئ الأركان الشرعيه والركائز المهمة فطبقوها خير تطبيق بوسطية وبهداية الله ثم بتوجيه من كان لديهم درايه وعلم ويستفتون انفسهم بعدالتها وصوابها .!
عندما يفد الضيف لأحد بيوت قريتي يهرع من دعي للمساندة في إعداد ما يلزم من طبخ ومساعدة .
بيوت القريه تشم رائحة الطبخ والنفخ في أي بيت كان من بيوت القرية فيسعدون ويستبشرون بأن هذه الليلة سعيدة على الأقل من فاته اللحم لم يحرم المرق فغالب بيوت القرية تنال على الأقل كاسة مرق وبعض البيوت يستعد بالخبز وينتظر طرق الباب من أهل المضيف لينال المرق الذي يُحتسى فيه الخبز بطعم مختلف جدآ.!
حدثتني والدتي رعاها الله انهم ترقبوا أحد المرات أن يأتيهم المرق من أحد البيوت لوجود مناسبه لديهم ولكن حانت ساعة النوم قبل أن يأتي المرق فنمنا ولم نيأس.!
بعد صلاة الفجر مباشرة جاءت جارتنا المضيفه تمشي بأستحياء لتخبر أمي بعذرها وخجلها أن المرق لم يكن كافيآ ليلة البارحه وانتهى للضيوف وعوضتنا نحن والجيران الذين فاتهم المرق بخبز جديد من خبز ذلك الصباح الرائع بوجودهن من جودهن رحم الله من غادر ومن ينتظر.!
انها أيام حسن المعشر وحسن الجوار ياسادة ياكرام..!