
بقلم/ محمد عمر حسين المرحبي
“المجتمع الذي يتهاون في قيمه، يفتح الباب لغيره كي يعبث به.”
في عصرٍ تتسابق فيه وسائل التواصل الاجتماعي إلى كسب المتابعين والمشاهدات، باتت منصات السوشيال ميديا سلاحاً ذا حدين: أداةً للتأثير الإيجابي إذا أحسن استخدامها، ومصدراً للانحراف والتجاوز إذا أساء البعض توظيفها. وللأسف، شهدنا في السنوات الأخيرة انفلاتاً من بعض من يطلقون على أنفسهم لقب “المشاهير”، ممن جعلوا الشهرة هدفاً يبرر الوسيلة، فامتهنوا نشر صور ومقاطع بعيدة عن الذوق العام، وخارجة عن قيمنا الراسخة، بل ومسيئة للعادات والتقاليد التي تربى عليها أبناء هذا الوطن الكريم.
إن خطورة ما يُبث عبر تلك الحسابات لا تكمن فقط في تفاهته أو ابتذاله، بل في أثره المباشر على عقول الناشئة، الذين قد ينظرون إلى هؤلاء على أنهم قدوة أو نموذج يُحتذى به. وهنا يأتي دور الأسرة والمجتمع في تحصين الأبناء، وتوعيتهم بأن الشهرة ليست معيار قيمة، وأن ما يقدّمه هؤلاء ليس إلا فراغاً مغلفاً ببريق زائف.
ولأن الدولة – أعزها الله – تدرك حجم هذه التحديات، فقد قامت هيئة تنظيم الإعلام بواجبها المسؤول، فأصدرت ضوابط مشددة، وفرضت عقوبات رادعة على كل من يتجاوز في الطرح أو ينشر ما يمس الحقوق العامة والشخصية. وهذه الخطوة المباركة تمثل حصناً متيناً يحمي المجتمع من العبث، ويعيد ضبط البوصلة الإعلامية نحو ما يخدم المصلحة العامة ويحفظ القيم. فالحرية إذا لم تُقيد بضوابط الأخلاق والقانون تحولت إلى فوضى عارمة، وما فعلته الهيئة ليس تضييقاً، بل حمايةً للحقوق وصيانةً للمجتمع من الانحدار.
إننا ونحن نثني على هذه الجهود المباركة، نؤكد أن مسؤولية التصدي لهذه الظواهر لا تقع على الهيئة وحدها، بل على كل فرد منّا. فالمقاطعة الشعبية لهؤلاء المسيئين أشد وقعاً من أي عقوبة نظامية، إذ لا يجدون في النهاية من يتابعهم أو يصفق لتفاهاتهم. وهنا تتجلى قوة المجتمع الواعي الذي يختار قدواته بعناية، ويُدرك أن الشهرة الحقيقية تُبنى على العلم، والخلق، وخدمة الناس، لا على مقاطع مثيرة للجدل أو صور خارجة عن المألوف.
ولذلك، فإن حماية بيوتنا وأبنائنا من هذا الداء تبدأ من الداخل، بتعزيز الرقابة الواعية، وغرس القيم الأصيلة، وفتح المجال أمام البدائل الراقية والقدوات الحقيقية التي تبني الإنسان ولا تهدمه. وما أروع أن يتحول السوشيال ميديا إلى منبر للمعرفة والإبداع، بدلاً من أن يكون مستنقعاً للابتذال والتجاوز.
إن ما قامت به هيئة تنظيم الإعلام خطوة شجاعة تستحق التقدير، وعلى المجتمع أن يواكبها بوعيٍ ومقاطعةٍ ومسؤولية، حتى تظل قيمنا مصونة، وهويتنا محمية، ومجتمعنا في أبهى صورة أمام العالم
عسير صحيفة عسير الإلكترونية