القدوة الحسنة 

بقلم أ / محمد ال دوبان

فإن ما يثبته الواقع وتدركه العقول: أن القدوةَ من أهم وأمثل الطرق في ترسيخ المبادئ والأخلاق، وتربية الأجيال، وأن تأثيرَها أعظمُ من تأثير الخطب والمقالات والكتابات.

موضوع القدوة من المواضيع المهمة جدا في حياة البشرية.

فالقدوة الحسنة هي الركيزة الأساسية في المجتمع، وهي ضرورة لا بد منها في الحياة؛ لأنها تُجسم المُثل العليا ليحتذي بها الإنسان ويكتسب منها المعالم الإيجابية، والقيم السامية، والأخلاق العالية، لتكون حياتُه كريمة طيبة فاضلة راقية، سواء مع الله -تعالى- في أداء العبادات والفرائض، أو مع النفس وتزكيتها وتدريبها على الأخلاق الفاضلة، أو مع الأهل والأولاد من أجل بناء أسرة متماسكة، أو مع المجتمع من حوله في أمور الدين والدنيا.

 

ومن أجل ذلك جعل الله -تعالى- الرسول -صلى الله عليه وسلم- قدوة ونموذجا يُجسد الدين الذي أُرسل به، حتى يعيش الناس مع هذا الدين واقعا حقيقيا بعيدا عن الأفكار المجردة، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيرَ قدوة للأمة في تطبيق هذا الدين، فجمع بين القول والعمل، وربط النظرية بالتطبيق، وقدم المعاني حقائق حية، فاهتُدي بعمله قبل قوله، وبفعله قبل علمه، وكان أمام أصحابه تجسيدا حيا لدعوته، ومَثلا صريحا لمبادئه، لذلك فالقدوة التي يجب أن نتأسى بها هي القدوة التي جعلها الله لكل المسلمين، أي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الله -تعالى- يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) [الأحزاب: 21].

 

قال ابن حزم: “من أراد خير الآخرة، وحكمة الدنيا، وعدل السيرة، والاحتواء على محاسنِ الأخلاق كلها، واستحقاقَ الفضائل بأسرها، فليقتد بمحمد رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، وليستعمل أخلاقه وسيره ما أمكنه”.

 

فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يترك أمرا من أمور الحياة كبيرا كان أم صغيرا إلا وبين لنا أصول التعامل الصحيح معه، لكي يستقيم سيرنا على الصراط المستقيم، ولا تحيد عنه أقدامنا فتزلّ ونهلك، ففي الحديث الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “قد تركتكم على البيضاءِ ليلُها كنهارِها، لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالكٌ، ومن يعشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بما عرفتُم من سنتي وسنةِ الخلفاء الراشدين المهديِّين، عَضُّوا عليها بالنواجذِ”.

 

وقال صلى الله عليه وسلم: “مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَكُمُ اللهُ بِهِ، إِلا أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَمَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا نَهَاكُمُ اللهُ عَنْهُ إِلا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ”.

 

فهذا النبي القدوة والرسول الأسوة -صلى الله عليه وسلم- امتلأت حياته بأسباب الخير التي يتطلع إليها ويحرص عليها العاقلون، ويسعى في تحصيلها المفلحون، فما من لحظة من لحظاته، ولا كلمة من كلماته، ولا حركةٍ من حركاته، ولا سكنةٍ من سكناته، إلا وهي تعليمٌ وتربيةٌ وتوجيه.

 

لقد كان صلى الله عليه وسلم قدوة كاملة في جميع جوانب سيرته؛ إيمانا وعبادة وخلقا وسلوكا، وتعاملا مع غيره، في جميع أحواله صلى الله عليه وسلم كانت سيرته مثاليةً للتطبيق على أرض الواقع، فهو صلى الله عليه وسلم القدوة والأسوة والمعلم والمربي الحكيم، وهو إمام الدعاة الذي أمر الله ربنا أن نقتدي به في عبادتنا ودعوتنا وأخلاقنا وسلوكياتنا ومعاملاتنا وفي جميع أمور حياتنا، قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108].

 

لقد كان صلى الله عليه وسلم قدوة في مجتمعه، كان على درجة عالية من الخلق والوعي الكبير والحب العظيم في التعامل مع غيره، فلم يكن يستعلي على أحد أو يتكبر، بل يتواضع ويقابل عامة الناس بالوجه الحسن المبتسم، ويشاركهم في أفراحهم وأحزانهم، ويهتم بقضاياهم، ويسعى لحلها، ويساوي بينهم جميعًا دون تمييز أو تفريق، عربا كانوا أو عجما، صغارا كانوا أو كبارا، فقراء كانوا أو أغنياء.

 

حتى في بيته ومع أسرته لقد كان صلى الله عليه وسلم قدوة مع زوجاته وبناته حيث كان يحدِّثهم بأطيب الكلمات، وأجمل العبارات، وكان يلاعبهم ويلاطفهم، ويُدخل السرور على قلوبهم، ويعدل بينهم، وكان يخدم نفسه بنفسه.

 

وفي تعامله صلى الله عليه وسلم مع الأطفال كان القدوة حيث تروي لنا السيرة النبوية نماذج من أخلاقه مع الأطفال الصغار وعطفه وحنانه عليهم، فكان عليه الصلاة والسلام يلاعبهم ويمازحهم، وكان لا يغضب عليهم ولا يضربهم، حتى أحبه جميع الأطفال، قالت عائشة -رضي الله عنها-: “كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤتي بالصبيان فيدعو لهم”.

 

وحتى في التعامل مع أعدائه ممن يتربصون به ليل نهار، لقد كان صلى الله عليه وسلم قدوة حيث أدهشت العالم معاملته صلى الله عليه وسلم مع أعدائه وهو متمكن منهم، فلم يظهر في التاريخ أرحمُ منه مع أعدائه، رغم ما كان يلاقيه منهم من الأذى والتضييق.

 

ولقد وصفت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- خُلقه صلى الله عليه وسلم، فقالت: “كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ”، فانبثقت سائر أعماله وأقواله وحركاته عليه الصلاة والسلام من هذا الخلق العظيم الذي أشار إليه ربنا في القرآن الكريم: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4].

 

ومن هذا الخلق العظيم استمد المسلمون قوتهم وصلابتهم، وأصبح من المستحيل هزيمتهم أو كسر شوكتهم.

 

في الختام : –

صلو على قدوتنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

شاهد أيضاً

” مهارات التأثير الإعلامي “

  بقلم – سراء عبدالوهاب آل رويجح: أقيمت بمحافظة بيشة يوم أمس الخميس التاسع عشر …

تعليق واحد

  1. مقال ممييز جداا يتحدث قدوتنا رسولنا صلى الله عليه وسلم
    مميز جدا وقلمك قوي استاذ محمد ماشاء الله تبارك الله

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com