عسير صحيفة عسير الإلكترونية
بقلم/ صافي الصافي
عندما نقرأ فنياً لوحة (البناء الناعم مع الفاصوليا المسلوقة) الذي أبدعها سلفادور دالي عام 1936 قبل 6 أشهر فقط من بدء الحرب الأهلية الإسبانية، معروضة فى متحف (فيلادلفيا للفنون)، لابد أولاً أن نتوقف قليلاً لنمنح أنفسنا لحظة لأتأمله دون تسرع، تاركين لانطلاعاتنا الأولى تتكون دون محاولة تفسيرها مباشرة، ونفصل أنفسنا عن كل السياقات التي نعرفها عن الفن أو الفنان، ونركز فقط على ما نواه. تاركين خلفنا كل الأحكام المسبقة لنسمح للعمل أن “يتكلم”.
العمل يصوّر أشكالًا بشرية مشوهة أو ممددة بطريقة غير طبيعية، تظهر وكأنها أجزاء من أجساد متضخمة أو متفككة، في فضاء مفتوح تحت سماء زرقاء وغيوم. الألوان دافئة تميل إلى البني والبرتقالي، مع تباين واضح مع لون السماء. يوجد ذراع ضخمة ممدودة، ويد مفتوحة تكاد تمسك بشيء غير مرئي، بينما جزء من الجسد مستلقٍ على الأرض في وضعية توحي بالتعب أو الخضوع.
لذا كان لزاماً علينا كقراء للعمل الفني أن نثير الأسئلة التالية؛ لماذا هذه التشوهات في الجسد؟ وهل هناك رمزية في هذه الوضعيات؟ وما العلاقة بين السماء الهادئة والأشكال المتألمة أو المشوهة؟ وهل يعكس هذا العمل حالة نفسية؟ وما الذي يريد الفنان أن يشعرني به؟ رهبة؟ دهشة؟ قلق؟
وللاجابة على التساؤلات
التشوهات قد تدل على الألم، التمزق النفسي أو التناقض الداخلي. ووضعيات الأجساد تعطي إيحاء بالضعف أو الخضوع لقوى خارجية، ربما رمزية للواقع أو اللاوعي.
السماء الجميلة قد تكون متناقضة عمدًا مع الأجساد المشوهة لتعزيز الإحساس بالعبث أو المفارقة.
نعم، العمل يبدو وكأنه انعكاس لحالة نفسية مضطربة، وربما يشير إلى صراعات داخلية أو رغبة في التحرر من قيود الجسد أو العالم.
ختاماً: العمل يحمل جاذبية قوية رغم غرابته. استخدام التشويه والتكوينات غير الواقعية يفتح الباب أمام تأويلات كثيرة، مما يجعله عملاً غنيًا ومعقدًا.
على المستوى الجمالي، هناك تناغم لوني جميل رغم الطابع القلق للتكوين، مما يخلق توترًا بصريًا جذابًا. أرى أنه عمل فني قوي، يستفز العقل والعاطفة معًا، ويترك أثرًا لا يُنسى.
إشراف أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بجامعة الملك خالد، ومدير الجمعية السعودية للفنون التشكيلية بعسير
الدكتور / علي مرزوق
