
بقلم / علي سعد الفصيلي
في الوقت الذي تتقدم فيه الرياضة كركيزة من ركائز جودة الحياة، وتتوفر فيه الصالات الحديثة والمبادرات الداعمة، تتكشف مفارقة لافتة تتمثل في تراجع ممارسة النشاط البدني، رغم كل هذه المحفزات، وكأن نمط الحياة المعاصر يجرّ الناس بصمت نحو مزيد من السكون والجلوس الطويل أمام الشاشات، على حساب صحتهم وحيويتهم.
هذا التحول لا يمكن النظر إليه بوصفه كسلًا عابراً، بل هو انعكاس لنمط حياة جديد يفرض نفسه بهدوء، ويؤثر على صحة الجميع ومستقبل المجتمع، ويتعارض مع أهداف «رؤية المملكة 2030» التي ترى في المواطن الصحي ركيزة أساسية في بناء اقتصاد قوي ومجتمع منتج.
ومع تقلص الحركة اليومية، تتسارع الآثار الصحية السلبية، فالرياضة ليست ترفاً يمكن تجاوزه، بل عامل رئيس لصيانة الجسد والعقل، فالحركة المنتظمة تعزّز سلامة القلب والعظام، وتقلل مخاطر السمنة والسكري وضغط الدم، وتحسّن النوم والمزاج، وترفع القدرة على التركيز وصفاء الذهن، وتمنح الإنسان توازناً نفسياً يقيه القلق والتوتر، والرياضة ضرورة لكل الفئات العمرية لتعزيز الصحة والنشاط وطول العمر.
كما تمتد آثار الرياضة إلى الأسرة والمجتمع، فالأسرة التي تمارس أبسط الأنشطة معاً تُرسخ قيم الانضباط والتواصل، وتقدّم قدوة عملية لأبنائها، بينما غياب هذه الثقافة يخلق فجوة بين أفراد الأسرة ويعزز العزلة الرقمية، وفي الحياة العملية يصبح الموظف النشيط أكثر إنتاجاً وانضباطاً وقدرة على اتخاذ القرار، وهو ما تدركه المؤسسات التي تشجع موظفيها على اعتماد نمط حياة صحي لما له من أثر مباشر على جودة الأداء.
إن تراجع ممارسة الرياضة يمثل إشارة جادة إلى ضرورة مراجعة علاقتنا بالحركة، وإعادة بناء الوعي بأهميتها، لا من باب النصائح التقليدية، بل عبر حلول عملية تجعل الرياضة أكثر جاذبية وقرباً من الجميع، مثل التحديات الرقمية، والبرامج الجماعية في الأحياء والمدارس والجامعات، وإطلاق مبادرات تعتمد على الحوافز وتحوّل الممارسة إلى عادة يومية ممتعة، فالبداية لا تحتاج أكثر من نصف ساعة يمكن أن تصبح مع الوقت أسلوب حياة راسخاً.
ولأن التغيير يبدأ من الفرد، أعترف بأنني أحد المقصرين في ممارستها، وسأكون – إن شاء الله – من العائدين إليها، فالصحة رأس مال الإنسان، والعمر مهما طال يظل قصيراً إذا غابت عنه الحركة التي تعيد للجسد نبضه وتمنح للحياة توازنها.
عسير صحيفة عسير الإلكترونية